في الحديث الصحيح أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ ذَاتَ يَومٍ في خُطْبَتِهِ: أَلَا إنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ ما جَهِلْتُمْ، ممَّا عَلَّمَنِي يَومِي هذا: كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ، وإنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وإنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عن دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلْتُ لهمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بي ما لَمْ أُنْزِلْ به سُلْطَانًا … رواه مسلم.
لا يخفى على كل عاقل عداوة الشيطان لابن آدم منذ أن كشف الله سبحانه وتعالى ما في قلب إبليس من الكبر والحسد عندما أمره بالسجود لآدم وأن هذه العداوة مستمرة حتى تقوم الساعة، وفي الحديث السابق بيان واضح بأن الله سبحانه خلق العباد كلهم حنفاء ولكن الشياطين سوف تجتالهم عن دينهم بأن تبعدهم عن دينهم وتغير مسارهم وتأمرهم بالشرك بالله.
والشرك على مر العصور هو من عمل شياطين الجن ابتداءً وشياطين الإنس تخطيطاً وتنفيذاً ومساندةً ونشراً، ورغم ارسال الرسل ومعهم الأدلة والبراهين وفي يديهم الكتب السماوية إلا أن أقواماً من البشر أطاعوا الشياطين وسارو في طريقهم.
هذا الاجتيال لم يكن بين الشيطان وابن آدم بالمواجهة والعنف كما يفعل الإنسان بالإنسان، ولكن الشيطان وهو غير ظاهر لنا استخدم ما استطاع من أدوت وفعّل كل ما لديه من إمكانيات أعطاها الله للجن ومنها الوسوسة وتتزين الباطل وتزهيد الإنسان في كل الطاعات وترغيبه في كل المحرمات (حُفَّتِ الجنَّةُ بالمكارِهِ وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهواتِ) أخرجه مسلم والترمذي وأحمد. وهذه العمل يتم من خلال وسوسة القرين وكذلك المس الشيطاني الذي يسكن جسد الإنسان وقد يظهر عليه علامات المس والتلبس أو تتغير أحول الإنسان وعباداته وتصرفاته التي قد يعرف منها تمكن الشيطان من جسد الإنسان، وهذا معلوم عند علماء المسلمين وعامتهم رغم اختلاف الأفهام حوله، ويدركه غير المسلمين كلٌ بحسب دينه وما تمليه عليه كتبهم وتعاليم رجال الدين عندهم.
غير أن العصر الحديث شهد سُعاراً شيطانياً غير مسبوق، فقد كثرة حالات التلبس وزادت الأمراض الروحية وانتشر الحسد بين البشر، فلا يخلوا منزل من مختل أو مريض نفسي أو ممسوس أو مسحور أو معيون أو محسود، وفي ثنايا هذه الزوبعة الشيطانية والسبق الإبليسي نجد من ينبري للدفاع عن الشياطين من أبناء جلدتنا ومن الشرق والغرب؛ فمنهم من ينكر وجودهم أو أنهم في أبعاد مكانية غير البعد الذي يحتوي الإنسان ومنهم من ينكر السحر والمس والتلبس بل وينكرون صفة الشر في شياطين الجن رغم ثبوت وتواتر هذه الصفة في القرآن والسنة، حتى وصلنا إلى أبعد من هذه المزاعم إلى أن الشياطين التي تعيش في الكرة الأرضية والتي بعضها يدخل جسد الإنسان هي ليست شياطين إنما هي كائنات فضائية مثل الرمادية والنوردية والبلياديون والأنوناكي والسحالي والزواحف وغيرها، نزلت إلى الأرض لأهداف متنوعة على سبيل المثال أنها جاءت لمساعدة البشر وتقديم الخير لهم، وبعضهم ذكر أنها تعيش على نجوم وكواكب وهي متقدمة عنا علمياً وتقنياً ويوجد لديها مركبات فضائية وأن بعض الدول الغربية تتعاون معهم في مشاريع كبرى، إلا أن الحقيقة أن هذه الدول والمنظمات تستخدم السحر بأنواعه وتتعاون مع الشياطين من أجل الهيمنة على الكرة الأرضية بمن فيها وما فيها.
وحتى في الغرب تم رصد هذه الظاهرة فهناك مئات من حالات التلبس وثقتها الكنائس في أمريكا وأوروبا بعضها مصور ومنشور على الإنترنت، وهذه الحالات شملت بعض الراهبات والقساوسة، ويُذكر عن مارتن لوثر أنه واجه الشيطان أكثر من مرة ووصفه بأن لديه مخالب مثل الطيور، وذكر فرويد في بعض أطروحاته – الغريبة – التلبس الشيطاني، ومن الأطباء من حاول إخراج الشيطان من الجسد عبر تقنيات وتوجيه ذبذبات خاصة، ويُذكر كذلك بأن البابا جون بول قام بعدة محاولات لإخراج الشياطين من أجساد المرضى.
هذا “السُعار الشيطاني” المنتشر في العالم بأسره وفي جميع الدول بدأ تدريجياً مع بداية الإنترنت ثم زادت سطوته وتمكنه مع التقدم التقني وانتشار المواقع الإلكترونية والكتب الرقمية والموسيقى والصور والفيديو والقدرة على التواصل بين جميع المستخدمين كتابةً وصوتاً وصورةً وإرسال ملفات بينية حتى وصلنا لوسائل التواصل الاجتماعي. وقد كان السبب الرئيسي هو انتشار العقائد والأفكار والحركات المعاصرة التي تبنت عبادة الشيطان ترجع أصولها إلى باطنية شرقية عبارة عن وثنيات هندوسية وبوذية وطاوية وأيضاً باطنية غربية غنوصية نصرانية وقبالا يهودية والهرمسية واللأفلاطونية الجديدة والفيثاغورسية، المتجلية عند المسلمين في الباطنيات المعروفة وأهمها الصوفية الغالية، وهي حركات وجمعيات لم تنتشر إلا بوجود الإنترنت، مثل جمعية الثيوصوفيا التي تستخدم السحر من خلال المعتقدات السابقة ثم توالت الحركات الفكرية حتى جاءت حركة العصر الجديد التي انتشرت وتبنى الكثير من الناس فكرها والسبب الأهم في انتشارها ورواج فكرها الشركي السحري هو وجود الإنترنت والتقنيات الحديثة بشكل عام، وكل هذه الحركات الفكرية المعاصرة تدعوا إلى الممارسات الشيطانية من خلال مخادعات وتلبيس الباطل بمسميات علمية أو أسلمتها، منها الطاقة الكونية والتنمية البشرية وتطوير الذات التي لا تخرج عن عقائد وحدة الوجود والحلول والإتحاد والإلحاد الروحي والمادي والفِرق القدرية الجديدة (الذاتية) والمعتزلة الجدد (العصرانية).
وقد لُبس على معتنقي حركة العصر الجديد وغيرها بأنها طرق نافعة للتواصل مع الكون واستجلاب الطاقة الإيجابية وطرد الطاقات السلبية من الجسد والمنزل والعمل وعند التعمق في الممارسات والدورات التدريبية يصل الحال إلى مرحلة أعلى وهي التواصل مع الكينونات ما بين اعتقاد بأنهم ملائكة ومن يقول أنها كائنات فضائية مسالمة أو جن مسلم يعمل معهم لوجه الله، ولا تعدوا كونها تواصل مع الشياطين وهذا معلوم حتى عند علماء المسلمين الأوائل وقد ذكر ذلك ابن الجوزي في تلبيس إبليس وكذلك ابن تيمية وغيرهم من علماء المسلمين، والفرق أن هذا العصر لبس على الناس أنها برامج تدريبية، أو طرق علاجية، أو عبادة إسلامية كما هو عند غلاة الصوفية وقد فند هذا الزعم أبو حامد الغزالي في كتابه فضائح الباطنية.
مشرف منصة وعي
وفقكم الله