13/6/1447ه – 4/12/2025م
المنهج الباطني قديم ومنتشر في جميع الأديان التقليدية والوثنية، وهو مستمر وقد أمتزج بالحضارة وما جاءت به من تقنيات وتطورات صناعية واتصالية وبرامج وعلوم حقيقية وأخرى زائفة.
ويمكن تعريف الباطنية بأنها حركة عقدية مرتبطة بكل ماهو سري وتأويلي، ولابد من الطرق الاستسرارية الطقوسية لفهم الحقائق الإلهية والظواهر الكونية والطبيعة الإنسانية الحقيقة وفهم المقدس من الكلام والاتصال، أي أن علم الباطن يجعلك ترى الأسرار والخفايا من خلال دلالات ورموز بحيث ترى الأشياء المألوفة والبسيطة بشكل مغاير عما يراه عامة الناس.
في هذه السطور سنوضح ماهية الباطنية والباطنية الحديثة، من حيث الأقسام مع شرح موجز لكل قسم ونذكر أمثلة فكرية وفلسفية وشخصيات تمثلها، مع الإشارة أن هناك شخصيات لم نذكرها وقد يأتي يوم يتم ذكرهم عند زوال المانع والسبب، ويمكن تقسيمها إلى ما يلي:
1- الباطنية الفلسفية الروحانية:
أي يوجد ظاهر في العقائد والأديان والفلسفات الفكرية هي للعامة وغير العارفين، بينما يوجد باطن لا يعرفه إلا الخاصة عبر طقوس وتأملات وممارسات باطنية خفية استسرارية – بتغييب العقل- توصل للعلم اللدني[1] بالمطلق (الإله) مباشرة عبر الفيض، ولا يلزم للباطني استخدام العقل أو النقل، وهو العلم الأسمى الذي يمكن تعليمه من قبل المعلمين الروحانيين (خاصة الخاصة) لأفضل المريدين المختارين عند سن متقدم للمختار، وهم يؤمنون بوحدة الوجود والحلول ما بين معتقد بإلهٍ يُعبد أو كونٌ مطلق.
تجد هذا الصنف بوضوح في الديانات والعقائد التقليدية مثل: الهندوسية، والبوذية، والكبالا اليهودية، والغنوصية النصرانية، وغلاة الصوفية وغيرهم، وباطنيتهم هذه تمثل طقوس السحر المتنوعة وتحضير الشياطين أو ما يسمونه بالأرواح والآلهة، ومن أعلامهم في المجتمع المسلم ابن عربي والحلاج وشمس الدين التبريزي وجلال الدين الرومي وغيرهم.
2- الباطنية التأويلية التفسيرية:
أي تأويل باطني للنصوص المقدسة لدى الأديان وليس تفسيراً للنصوص عبر ظاهر غير حقيقي أو غير فاعل الذي هو عند العامة والجهلاء، أي أن النصوص لها معانٍ باطنة تخالف ظاهرها وأن ظاهر النص لا يفيد معنىً صحيحًا، وقد ذكر الغزالي قول الباطنيين “أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري في الظواهر مجرى اللب من القشر، وأنها بصورها توهم عند الجُهال الأغبياء صوراً جلية، وهي عند العقلاء والأذكياء رموز وإشارات إلى حقائق معينة”[2]. وهو من مناهج العقلانيين الذين قدموا العقل على النقل عند جميع المذاهب والأديان، ويتم التأويل الباطني للنص عند الحاجة أو بعد افتعال تعارض بين النقل والعقل.
يوجد هذا الصنف عند غلاة الشيعة كالنصيرية والدروز والإسماعيلية، وعند النكرانيين (القرآنيين)، والعقلانيين العصرانيين، والصوفية، والهندوس والبوذيين واليهود والنصارى وغيرهم. وهم ما بين منافقين وملاحدة مندسين أو أهل الشبهات والشهوات أو من يريد التخفيف من التكاليف وأهل الأهواء ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ … ﴾ (الجاثية:23)، ومن أبرز رواد هذا الفكر في عصرنا أحمد صبحي منصور، ومحمد شحرور، وعلي منصور كيالي، وأحمد كريمة، وطارق السويدان، ونايف بن نهار، وسلطان العثيم، ورائد بن حسين.
3- الباطنية الحديثة والعصر الجديد (فلسفية تأويلية):
جمعت باطنية العصر الجديد بين الباطنية الفلسفية والباطنية التأويلية، وهذه الباطنية الحديثة عبارة عن مجموعة من المعتقدات الباطنية التي ظهرت أو استمرت في العصر الحديث، والتي تجمع بين أفكار باطنية قديمة وتأثيرات فلسفية وروحانية معاصرة من مصادر متنوعة مثل الأفلاطونية الجديدة، والفيثاغورسية، والغنوصية المسيحية، والكابلا اليهودية، والتصوف الإسلامي، والهندوسية، والبوذية، والطاوية، والمصرية القديمة، والشامانية الحديثة، والويكا وغيرها.
وتختلف عن الباطنية الفلسفية والباطنية التأويلية في تطورها وتأثيرها، حيث ازدهرت وانتشرت في القرون الثلاثة الماضية بشكل كبير وتغلغلت بين الدول ووصلت للسياسة والاقتصاد والإعلام والعلم والدين وتم تبنيها من الماسونية وحركة العصر الجديد، وتعتمد على مبادئ مثل وحدة الوجود والحلول والاتحاد وتأليه الإنسان، والغنوص والتصوف والخلاص، والتعاليم الاستسرارية، وتعتقد بوجود معانٍ باطنية خفية للنصوص الدينية لا يدركها إلا المستنيرون.
ولعل أهم الحركات الفلسفية والفكرية والروحانية التي شكلت الباطنية الحديثة الحركة المتعالية، والحركة الروحية، وجمعية الثيوصوفيا، وحركة الفكر الجديد، وحركة القدرات البشرية الكامنة، حتى وصلنا إلى حركة العصر الجديد التي هي الحركة الفكرية الأكبر، ومن أهم المؤسسات التي دعمت هذه الحركات الباطنية الحديثة هي معهد إيسالن ومؤسسة فندهورن وشركة لوسيس تراست وغيرها، بالإضافة إلى الدعم اللوجستي والسياسي والحماية من كبار الساسة العالميين وبعض المنظمات العالمية تحت ستار حقوقي وإنساني وتعليمي وبيئي يدار في الخفاء وبأيدٍ وعقول شيطانية.
ومن أشهر شخصياتها ادغر كيسي، وهيلينا بلافتكسي، وإليس بيلي، وإليستر كراولي، وجوليان هكسلي، ونيكولا تسلا، وديفيد سبانغلر، ومارلين فرغسون، وجي نايت، وبنجمين كريم، وأوشو، وديباك شوبرا، وإيكهارت تول، وفي الوطن العربي مريم نور، وإبراهيم الفقي، وصلاح الراشد، وأحمد عمارة، نادر بطو، وكريم علي، وإيهاب حمارنة، وسمية الناصر، وشمس الكويتية وغيرهم كثير.
وباطنيتهم الحديثة تهدف إلى إزاحة الدين وتغيب الوعي وقطع العلاقات الأسرية والاجتماعية؛ تبشيراً بقدوم المسيح الدجال، بعد السيطرة على العقول والأبدان والحكومات بالتطور البيوني والهندسة الوراثية والذكاء الاصطناعي والسيبراني والاستعانة بالفضائيين أي الشياطين أعوان أبليس.
مشرف منصة وعي
[1] سمي عند الصوفية بالعلم اللدني نسبة إلى علم الخضر في قوله تعالى: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ (الكهف:65)
[2] فضائح الباطنية: أبو حامد الغزالي، مؤسسة دار الكتب الثقافية، الكويت-حولي، ص11.




